بعد إسدال الستارة
أهم لحظات مونديال قطر «2022»
رسم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي مشهداً ختامياً فريداً لكأس العالم «قطر 2022» بأن رفع الكأس الذهبية التي عاندته كثيراً في مرات سابقة، وأسبغ على نفسه صفة «الأسطورة» ملتحقاً بركب طويل من الأيقونات الكروية، يتضمن مواطنه الراحل دييغو مارادونا والمبدع البرازيلي بيليه والقائد الألماني بيكنباور ومايسترو فرنسا زين الدين زيدان والحارس الإيطالي الشهير دينو زوف.
وبذلك التتويج «المونودرامي» الذي ظهر فيه «البولغا» نجماً وحيداً رغم مساهمات زملائه الكبيرة ، أسدل الستار على أول مونديال نظم بمنطقة الشرق الأوسط، وأثير بشأنه جدل استمد بعض روافده من خارج الملعب.
وبعد أن انقضى هذا الحدث الكبير، ترصد (نجوم) أهم الأحداث التي تتالت فصولاً منذ انطلاق المونديال القطري في الـ20 من نوفمبر الماضي وحتى لحظة الختام في الـ18 من ديسمبر : -
هجوم استباقي
نعود بالزمن ساعات قليلة قبل حفل الافتتاح، عندما أطل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» جيانو إنفانتينو في مؤتمر صحفي، وجه خلاله نقداً لاذعة إلى الدول الأوروبية المحتجة على منح قطر تنظيم المونديال.
واتهم إنفانتينو هذه الدول بالنفاق، قائلاً أن على الغرب الاعتذار للعالم جراء جرائم ارتكبها بحقه طول 3000 عام، قبل أن يمنح نفسه الحق في انتقاد الآخرين والحكم عليهم.
قبس من القرآن
لاحقاً نظم حفل افتتاح لم يتجاوز نصف الساعة بملعب «البيت» ورغم تواجد الممثل الهوليوودي الشهير مورغان فريمان حينها، إلا أن الأضواء ذهبت إلى فتى قطري، أسر العالم بأسلوبه الجميل، وبيانه الذي أوضح أن إصابته بمتلازمة «التّراجع الذّيلي» لم تحل بينه وبين الحكمة، التي اقتبسها من الآية الكريمة « إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، ليؤكد أن تقبل الاختلافات الثقافية والمورفولوجية أساس لصنع سلام في عالم مشتعل.
مفاجآت تترى
لم تتأخر المفاجآت طويلاً، فما إن حل اليوم الثاني من البطولة، حتى قدمت السعودية درساً للأرجنتين، وهزمتها بفضل «ريمونتادا» بطلاها صالح الشهري وسالم الدوسري.
ولم تتوقف البغتات بالفرق الكبرى، فانصاعت فرنسا لحكم تونس، وسقطت ألمانيا على يد «الساموراي» الياباني، الذي عاد وهزم إسبانيا، ثم اختتم دور المجموعات بانتصار تاريخي للكاميرون على البرازيل.
تعطل الماكينات
تحاول كل المنتخبات المشاركة في أية بطولة اجتذاب جمهور جديد ليؤازرها، لكن المنتخب الألماني فعلوا عكس ذلك تماماً، وتولوا كبر ما أسموه دفاعاً عن حقوق المثليين، فوضعوا أيديهم على أفواههم في إشارة لكبت حرياتهم، ما تسبب في انزعاج متابعين عدة، لاسيما في المنطقة العربية والإسلامية.
وقد عبر هؤلاء عن سعادتهم بمغادرة «المانشافت» للمونديال من دوره الأول، في مرة ثانية على التوالي تتعطل فيها الماكينات الألمانية مبكراً في كأس العالم.
للجمهور نصيب
تعافت الأرجنتين من نكستها بسرعة وعادت بقوة لتكمل المسير إلى المباراة النهائية والظفر باللقب.
وكانت البداية في ذاك الإياب بالمباراة الثانية في دور المجموعات أمام المكسيك، والتي انتهت لمصلحة «راقصي التانغو» بفضل ثنائية ليونيل ومسي وإنزو فرنانديز «سينال هذان اللاعبان لاحقاً جائزتي أفضل لاعب ولاعب ناشئ في البطولة على التوالي».
وفي تلك المباراة، قدم الجمهور الأرجنتيني دعماً غير مسبوق للاعبيه ووفد على ملعب «لوسيل» أفواجاً متتالية، وقابلها أنصار المكسيك بأعداد غفيرة، ليصل عدد الحضور الإجمالي إلى 88966 متفرج وهو رقم لم تشهده ملاعب كأس العالم، منذ نهائي نسخة 1994.
اكتساح تكنولوجي
أجزلت قطر في دفع الأموال، ابتغاء تنظيم نسخة «استثنائية» من كأس العالم، فقدمت بكل جديد تكنولوجي إلى ملاعبها من أجل ذلك.
وشهد هذا المونديال مستجدات عدة على مستوى التحكيم والإدارة والتقنيات، ففيه اعتمد نظام التبديلات الخمس، وعززت غرفة «الفار» بتقنية التسلل شبه الآلي، وكلاهما طبقتا للمرة الأولى في البطولة.
كما دعمت كرة البطولة «الرحلة» التي صنعتها شركة «أديداس»، بمستشعرات تساعد حكام «الفار» على متابعتها، وزودت الملاعب بمبردات كما كان متوقعاً، بالرغم من أن المونديال لعب لأول مرة في فصل الشتاء.
وكان لفاقدي البصر نصيب من الاهتمام، حيث أطلقت خدمة «بونوكل» لتمكين هذه الفئة من متابعة البطولة بطريقة «بريل».
رأسية في ذروة مسيرة ملحمية
استحقت المغرب لقب «الحصان الأسود» بفضل أدائها الملحمي، والذي جعلها أول منتخب عربي وإفريقي يبلغ نصف النهائي.
وقبل انطلاق المونديال، لم يدر بخلد أكثر أنصار «أسود الأطلس» تفاؤلاً أن رفاق النجم أشرف حكيمي سيتجاوزون دور المجموعات، لاسيما وأن مجموعتهم الخامسة تضم منتخبي كرواتيا وصيف بطل النسخة الماضية وبلجيكا المصنفة ثانية عالمياً.
لكن المغرب استطاعت تصدر المجموعة، ثم أقصت إسبانيا في الدور الثاني وألحقت بها البرتغال، بفضل ارتقاءة طائرة من مهاجمها يوسف النصيري، الذي ارتفع مترين و78 سنتيمتراً عن أرض الملعب وسدد برأسه داخل شباك البرتغال.
حضور ليبي
الحديث عن المغرب سيقودنا إلى هدفها الثاني في الشباك البلجيكية بالدور الأول، والذي تكفل به زكريا أبوخلال ذو الأصول الليبية.
فهذا اللاعب ولد في هولندا لأب ليبي وأم مغربية، وعندما بلغ الـ20 استقبل دعوات من 3 منتخبات هي ليبيا وهولندا والمغرب، إلا أنه اختار هذه الأخيرة، ومثلها في كأس إفريقيا «الكاميرون 2021».
ودفع مدرب «أسود الأطلس» وليد الركراكي بأبوخلال كبديل في عدة مباريات، وأمام بلجيكا تمكن من مغالطة الحارس تيبو كورتوا، ليصبح أول لاعب ذو أصول ليبية يسجل هدفاً في كأس العالم.
وداع تراجيدي
لطالما كان النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو مالئ الدنيا وشاغل الناس، فأين حلّ أو ارتحل لاحقته وسائل الإعلام لترصد أرقاماً عدة حققها بأقدامه ورأسه وإنجازات لا تحصى كان وراءها.
وفي هذا المونديال، جمع «الدون» بين المجد والفشل، وعرف النجاح ثم الإخفاق، فبدأ البطولة بهدف من ركلة جزاء في شباك غانا، جعله أول لاعب في تاريخ البطولة يوقع أهدافاً في 5 نسخ متتالية.
لكن التالي لم يسر كما أراده رونالدو، فدخل في مشاكل لا حصر لها مع رفاقه في المنتخب البرتغالي وأجلس على مقاعد البدلاء، ليقصى لاحقاً أمام المغرب ويودع البطولة بمشهد «تراجيدي» لم يستطع خلاله مغالبة دموعه.
حظ من ذهب
دخلت فرنسا البطولة كحاملة للقب ومرشحة فوق العادة للاحتفاظ به، عطفاً على ما تملكه من لاعبين كبار.
لكن مهاجمها أوليفيه جيرو امتلك حظاً عظيمًا، حيث قادت إصابة متأخرة لزميليه كريم بنزيمة وكريستوفر نكونكو، فأضحى خياراً رئيسًا للمدرب ديديه ديشامب، وشارك لينتزع لقب الهدافين التاريخيين لمنتخب «الديوك».
حيث وقع مهاجم ميلان على 4 أهداف «أمام أستراليا في مناسبتين ثم بولندا وإنجلترا»، فرفع رصيده من الأهداف الدولية إلى 53 متقدمًا على اللاعب السابق تيري هنري «51 هدفًا».
رقص ودموع
فشلت البرازيل مرة أخرى في الوصول للنهائي، ليتكرر إخفاق لازم «السيليساو» منذ النسخة الـ17، التي نظمت في كوريا الجنوبية واليابان سنة 2002 وشهدت آخر تواجد برازيلي في النهائي «تزامن حينها برفع المدافع السابق كافو للكأس الخامسة في تاريخ البلد اللاتيني».
ومثل الخروج على يد كرواتيا في ربع النهائي صدمة لمحبي المنتخب البرازيلي، لاسيما وأنه أبلى جيداً في المباريات السابقة، وأظهر نفسه بمظهر المنافس الجدي على اللقب.
وسيتذكر محبو «السيليساو» من مونديال قطر النزعة القوية للرقص من قبل «راقصي السامبا» خاصة في مواجهة دور الـ16 أمام كوريا الجنوبية، والتي شهدت مشاركة المدرب «تيتي» في الرقص مع لاعبيه.
كما ستظل مآقي النجم نيمار وهي ملئى بالدموع عقب الإقصاء حبيسة ذاكرة مشجعي البرازيل.
«ياشين» جديد
تقدمت كرواتيا خطوة بخطوة في المونديال حتى وصلت نصف النهائي، للمرة الثالثة في تاريخها، ثم ختمت المشاركة بمركز ثالث وميدالية برونزية هي الثانية لها «بعد مشاركة 1998».
ويدين هذا المنتخب بما حققه من إنجاز إلى خط وسطه المذهل بقيادة المخضرمين لوكا موديرتش ومارسيلو بروزوفيتش.
كما كان لحارس مرماها دومينيك ليفاكوفيتش كفل في ذلك، فقد استأسد في الذود عن مرماه أمام البرازيل في دور الثمانية، وقبلها عندما تصدى لركلات ترجيح اليابان.
وبحسب شبكة «أوبتا» للإحصاءات، أضحى حارس مرمى دينامو زغرب أول حارس في تاريخ المونديال ينجح في صد 4 ركلات ترجيح.
خارج السيطرة
اتسمت مواجهات الأرجنتين وهولندا بالقوة والندية والإثارة، والتي بلغت في مرات عدة حداً عنيفاً.
وفي مباراة ربع النهائي بين «راقصي التانغو» و»الطواحين» لم يحدث الاستثناء، فجاءت عامرة بالفرص الكبرى، والأهداف الغزيرة، وجاء ختامها «مثيراً»، بفضل هدفين هولنديين أعادا الكفة إلى لحظة البداية وأنهيا اللقاء بنتيجة 2-2، ليحتكم الطرفان لركلات الترجيح، والتي ابتسمت للأرجنتين بفضل تألق حارس مرماها إيمليانو مارتينيز «الذي نال لاحقاً جائزة القفاز الذهبي».
لكن الأحداث لم تنته إثر ذلك، بل امتدت المناوشات إلى غرف تغيير الملابس، وظهر ميسي وهو يوجه شتائم لمهاجم الطواحين « فوتر فيغورست»، كما اضطر الحكم المباراة الإسباني « ماثيو لاهوز» إلى استخدام البطاقات 15 مرة، في محاولة لكبح جماح المشادات بين اللاعبين، وهو رقم قياسي بالنسبة لمباراة بكأس العالم، وفقاً لما ذكرته شبكة «سكواوكا».
على خطى «بيليه»
منذ مباراته الأولى بهذه النسخة من المونديال، أبان المهاجم الفرنسي كيليان مبابي عن رغبة جامحة في صناعة التاريخ، فساهم في فوز «الديوك» على أستراليا برباعية، ثم كان بطل التأهل للدور الثاني، بفضل ثنائيته في الشباك الدنماركية.
لم يكتف الفتى البالغ من العمر 23 عاماً بذلك، فواصل على نهج التألق في دور الـ16 وأحرز هدفين أمام بولندا، ورغم الخسوف في مواجهة أسود إنجلترا الـ3، إلا أنه عاد وقدم بعضاً من سحره في نصف النهائي أمام المغرب.
لكن الأفضل من مبابي تأخر إلى النهائي، حيث وقع على أهداف فرنسا الثلاثة، وأضحى أول لاعب يحرز ثلاثية «هاتريك» في مباراة نهائية بكأس العالم منذ أن فعلها الإنجليزي جيف هيرست سنة 1966.
كما استحق مهاجم باريس سان جيرمان بفضل ذلك جائزة الحذاء الذهبي، بعد أن كفلت له أهدافه الـ8 لقب الهداف، وعزز كذلك من موقعه كهداف تاريخي للمونديال بالنسبة للاعبين الأصغر من 24 عاماً، حيث سبق وحطم رقم الأسطورة البرازيلية بيليه، برصيد 12 هدفاً، وضعته على بعد 4 أهداف من رقم الألماني ميروسلاف كلوزه «الهداف التاريخي للاعبي كأس العالم على الإطلاق».
النهائي الحلم
اقتفى مونديال 2022 أثر الأفلام الهيتشكوكية، واحتفظ بمعظم الإثارة إلى مباراته الأخيرة، والتي جاءت بفضل ما أقدمت عليه أرجنتين»ميسي» وفرنسا «مبابي».
وكعادة الأفلام أيضاً، قدم ذك النهائي لنفسه بشكل عادي، فأخضع «الألبسيلستي» منافسه بقوة وتقدم عليه مرتين في الشوط الأول بواسطة ليونيل ميسي وأنخيل دي ماريا، ثم واصلت تسيدها للمباراة، حتى ظن أنها انتهت في اتجاه واحد.
ولإن كان الإبداع شنشنة نعرفها من ميسي، فإن فتى فرنسا الذهبي كيليان مبابي أراد أن يشار إليه بالبنان ويقال : هذا ملك اللعبة مستقبلاً، فانتفض في دقيقتين وعادل النتيجة، لتمتد إلى أشواط إضافية تعرف عودة لميسي ورداً من مبابي، ثم تحسم الأمور بركلات الترجيح.
وقد أجمع المتابعون على أن هذا النهائي هو الأجمل في تاريخ المونديال، وأنه استحق عن جدارة لقب «النهائي الحلم».
مشهد سوريالي
على طريقة «الفلاش فورورد» في الأفلام، سننتقل إلى لحظات مستقبلية، تظهر فيها العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس وقد اكتظت شوارعها بـ4 ملايين محتفل، يرقصون فرحاً بكأس خاصمهم لثلاثة عقود ونيّف.
وقد بد المشهد سوريالياً، والجماهير المحتشدة تغني بجنون أغنية «ولدت في الأرجنتين .. أرض دييغو وليونيل .. وأطفال (المالفيناس) الذين لن أنساهم أبداً»، حتى طغى على أي احتفال سابق للمنتخبات التي حصدت كأس العالم ثم عادت به مفاخرة لأراضيها.
البطل بـ»البشت»
لقطة الختام كانت الأبرز، فقد ابتسمت كرة القدم أخيراً في وجه واحد من أبرز نجومها، وأنصفه المونديال بعد سوابق عجاف كان فيها قاسياً معه.
فأخيراً وبعد 4 نسخ أحس فيها بألم الفشل ومرارته، عرف الأرجنتيني ليونيل ميسي طعم الفوز الكبير، وقاد منتخب «الألبسيلستي» إلى لقب عالمي ثالث، جاء بعد 36 عامًا من الغياب.
وقد كان لهذا الإنجاز دلالات عدة، فبواسطته أضحى «البرغوث» مستحقاً للمقارنة مع مواطنه الراحل دييغو مارادونا، فكلاهما مكّن «راقصي التانغو» من ملامسة الذهب.
كما أخرس هذا التتويج الأفواه المنتقدة لميسي، والتي كانت تدأب في كل حين بالقول أن لاعب باريس سان جيرمان لا يستحق كل ذلك الثناء المكال له، وتستدل بعجزه عن الإتيان بمعجزة الظفر بلقب كأس العالم.
ومثل هذا الفوز لحظات ملهمة للأرجنتينيين، الذين نسوا بعضاً مما يقاسونه جراء أزمة اقتصادية طاحنة، وخرجوا إلى الشوارع فرحين، فاستحال نصب «المونومنتال» في العاصمة بيونس آيرس إلى محج للراغبين في غسيل أحزانهم بسعادة كرة القدم.
ولأنها النسخة المونديالية الأخيرة لميسي – كما صرح هو قبل انطلاقها – فقد كان عازماً على التألق فيها بقوة وصبغها بصبغتها، لينال إلى جانب اللقب جائزة الكرة الذهبية، بفضل أهدافه الـ7 وتمريراته الحاسمة الـ3 وقيادته الإعجازية في وسط الملعب.
وعندها تقدم ليونيل ميسي لرفع الكأس مرتدياً «البشت» الخليجي ولسان حاله يقول : «أنا الأفضل».