آراء أهل الفن وانطباعاتهم حول
عــلاقة الفنان بالصحـافة
كان المخطط لهذا الاستطلاع في البداية أن تكون مقدمته استعراضا بسيطا حول علاقة الفنان بالصحافة عامة والصحافة الفنية تحديدا عبر التاريخ والمراحل الذهبية فيها، إلى أن حدث ما غير مسار المقدمة من خلال ردود الفنانين وبعض الإعلاميين على أسئلتي ونظرتهم المجحفة بعض الشيء لهذه العلاقة مما جعلني أصف هذا الاستطلاع باستطلاع “اللاءات” لتكرار كلمة لا فيه ….
آراء أثارت استغرابي تارة وأثارت حفيظتي تارة أخرى للحد الذي تمنيت فيه الرد عبر أسطر المقدمة إلا أنني تراجعت إيمانا مني بمبدأ حيادية الصحفي تجاه ما يقدمه من مواضيع وألا يضع نفسه موضع أحد الأطراف المعنية، وتركت حق الرد مفتوحا لمن شاء من الزملاء..
الأسئلة التي وجهت كانت على النحو التالي :
. من يحتاج للآخر أكثر الفنان للصحافة أم العكس؟
. كيف تصف علاقتك بالصحافة ..؟ وإذا كنت ترى تقصيرا فمن أي جانب ؟
. “يتحدث الكثيرون من داخل الوسط أن هناك فجوة أو أزمة ثقة حاصلة بين الفنان والصحفي المهتم بالشأن الفني ..”
هل تؤيد هذا القول ؟ وكيف يمكن تدارك الأمر برأيك ؟
فكانت إجاباتهم كما يلي :
حوار /هند التواتي
الصحافة والعمل الإبداعي خطان متوازيان
عبد الله الزروق / مخرج
سأتحدث من واقع تجربتي التي تجاوزت الخمسين عاما حيث كانت الصحافة هي صاحبة الخطوة الأولى بعد إنجاز العمل الإبداعي في التعريف بأعمالنا ،لهذا كنا وعلى الصعيد العربي نتزاحم على شراء مجلات الكواكب والموعد والشبكة لمعرفة الجديد في المجال الإبداعي عربيا فلم يكن حينها وجود لوسائل اتصال أو تواصل غيرها ..
ومحليا كانت مجلة الإذاعة والتلفزيون وصحف طرابلس الغرب والحرية والحقيقة والميدان واليوم والبلاغ ومن بعدهم صحف الفجر الجديد والأسبوع الثقافي ومجلة المسرح والسينما وغيرها من المطبوعات التي كنا نتسابق عليها لاقتنائها ومعرفة ما يكتب من أخبار ونقد لما نقدمه ويقدم بشكل عام ولذلك كانت الصحافة هي الوجه الآخر والوحيد الذي يقدم للقراء أخبار الفن وكواليسه، ويقدم لنا النقد في مجمل أعمالنا، هل أصبنا فيها أم هناك خلل يجب تداركه ؟..
من هنا أقول إن الصحافة والعمل الإبداعي خطان متوازيان لا يفترقان، فمن خلالها عرفنا أسماء نقاد ندين لهم بالمعرفة والرأي السديد أمثال الراحلين سليمان كشلاف ،محمد الزوي ،الدكتور كمال عيد ومن الموجودين على قيد الحياة منهم الأساتذة عبدالله هويدي ،و أحمد عزيز بل تحول نقدهم إلى كتب موثقة موجودة إضافة لوجود فنانين هم صحفيون أصلا أمثال الأستاذ عثمان إسماعيل والراحل سعيد المزوغي ، فعلاقتنا بالصحافة كانت صحية جدية خالية من المجاملات ولا يسمح لأحد بالكتابة إلا المتخصصون والعارفون بحيثيات العمل الفني والإبداعي ومعرفة مواطن القوة والضعف ومن هنا أقول إن الصحافة ساهمت في إبراز أسماء كبيرة منهم الراحل محمد شرف الدين، محمد حقيق ،الأمين ناصف، والأزهر أبوبكر أحميد وغيرهم ..
الحقيقة أن غياب أساسات النقد في التدريس الإعلامي هو الذي ترك المجال للرأي الانطباعي الذي لا تحكمه قوانين وإنما وجهات نظر خاصة، وقد أفرزت السنوات الأخيرة مئات الأسماء التي تتصدى للأعمال الفنية وتقوم بتشريحها دون سابق معرفة أو دراية بأهمية النقد في سير الحركة الفنية .
بعض الفنانين أصبحوا نجوما بفضل الصحافة
سعاد خليل / ممثلة وكاتبة
رغم أني لا أتعامل مع اللقاءات على مختلف وسائل الميديا إلا أنك استثناء …
فيما يتعلق بسؤال من يحتاج للآخر أكثر، أعتقد أن كلا منهما يحتاج للآخر بذات القدر والمستوى ، فالفنان يحتاج الصحافة لنشر ومتابعة نشاطه الفني وغيره من نشاطاته إن وجدت، ولا ننكر أن هناك فنانون أصبحوا نجوما بفضل الصحافة إلى جانب موهبتهم طبعا ،الصحفي من جهته يحتاج إلى الجديد من الأخبار والتقارير والمقالات والحوارات لو كان للفنان ما يقول، وهنا وبهذا الشكل تكون العلاقة تكاملية بينهما.
هنا وبهذا الصدد أود توضيح شيء مهم عن الصحافة والإعلام بشكل عام يفترض أن تواكب ليس فقط الخبر الفني وإنما تسلط الضوء وتبرز الأعمال الإيجابية التي يقوم بها الفنان مع مراعاة المصداقية والشفافية حتى لا يحدث سوء فهم في حال لم يتمكن الصحفي من إيصال الفكرة كما يجب ، ولتجنب مثل هذه المواقف يجب على الصحفي أن يكون على دراية جيدة بثقافة طرح السؤال والابتعاد عن التقليدية في الطرح ..
فيما يتعلق بعلاقتي بالصحافة “للأسف ” رغم أنني كنت موظفة مسؤولة في الصحافة وأكتب المقالة ولازلت إلا أنه ليس لدي أي علاقة بالصحافة على الصعيد الفني، والتقصير من جانبهم بالتأكيد، أو ربما لأنني لست ممن يبحثون عن الظهور والأضواء والدعاية ،وهذا ما جعلني بعيدة عن قائمة إعداداتهم دون أن يؤثر علي ذلك والحمد لله فأنا لست ممن يعتمدون على الشهرة الإعلامية بكل شرائحها، فلدي جوانب أخرى من نشاطات ومواهب في الكتابة والشعر والترجمة بثلاث لغات: الإنجليزية، الإيطالية والإسبانية وقد ترجمت نصوصي وكتبي إلى هذه اللغات إضافة لمقالاتي التي تنشر في الصحف والمجلات العربية ولدي اسم خارج ليبيا أفخر به وبما أنجزته، كل ذلك لا يجد متابعة أو اهتماما من صحفنا ومطبوعاتنا المحلية وهو كما ذكرت سابقا يعد تقصيرا منهم …
من جهة أخرى وبالحديث عن أزمة الثقة بين الفنان والصحفي قد يطول الخوض فيها لكن بالمختصر وتأكيدا على وجودها لعدة أسباب منها قد يكون عدم معرفة الصحفي أو عدم قدرته على إيصال فكرة محددة من خلال الحوار الذي يجريه مع الفنان أو من خلال تصريح أو خبر ينقله عنه ويتم فيه تحوير الحديث وصياغته بطريقة تؤدي إلى اختلاف المعنى وبالتالي يضع الفنان في إشكاليات أو مواقف محرجة هو في غنى عنها وتضعه في خانة سوء الفهم من قبل القراء على اختلاف مستوياتهم الفكرية وتساهم بشكل كبير في فقدان ثقة الفنان بالصحفي والعكس ولا شيء يعيدها سوى الصدق والشفافية والحقيقة في النقل …
”هنا بدا لي تخوف الفنانة القديرة سعاد خليل من التلاعب في نقل إجاباتها فختمت حديثها معي بكلمة أتمنى أن يتم نشر إجابتي كما هي حتى نصدق فيما قلنا ..”
عدم الحيادية تفقد المادة الصحافية المنطق والمهنية
الهـادي البكوش / ممثل
فيما مضى كان هناك سؤالا مشابها لسؤالك وهو ” هل السينما كانت السبب في نجاح أعمال نجيب محفوظ أو أن أعمال نجيب محفوظ السبب في صنع نجاحات السينما المصرية ..؟؟ “..
عموما الفنان هو من يحتاج للصحفي وكذلك وجود الأعمال الفنية تتيح للصحفي أن يكتب ويجد مادة يكتب عنها والمحصلة المهنية أن الطرفين يحتاجان لبعض ،فالصحافة أمر مهم في حياة الفنان لأنها تساعد على التعريف به بأعماله للجمهور والقراء مأخذي على بعض الصحفيين هنا خاصة من يكتبون في المجال الفني وعنه هذا التخصص يحتاج للمزيد من الثقافة والمعرفة وعلى الصحفي أن يكون على دراية بكل أساسيات المهنة وعلم إلى حد ما جيد بصناعة الدراما والفنون حتى يكوت للكتابة مصداقية وهنا يختلف الحديث بين الصحفي الناقد والصحفي ناقل الخبر الفني ..
أما بخصوص الفجوة الحاصلة بين الصحفي والفنان للأسف أن أغلب من يتناول المادة الفنية من الصحفيين هم ناقلو أخبار وتنقصهم الدراية بتفاصيل العمل الفني من حيث الصورة وحركة الكاميرا وتتابع النص الدرامي من حيث تسلسل المشاهد وذروة العمل ونهايته وكوادر المجاميع وأداء الممثلين والموسيقى التصويرية لا يركزون على كل هذه الأمور المهمة وأحيانا يكون مصدر معلوماتهم الفيس بوك ومختلف وسائل التواصل وأحيانا أخرى المصدر هو المحاباة من خلال علاقة الممثل الشخصية بالصحفي أو معرفة الصحفي بالجهات المنفذة للعمل وهنا ندخل حيز عدم الحيادية وبالتالي تصبح المادة الصحفية فاقدة للمنطق والمهنية ..
بالنهاية الصحافة وسيلة مهمة في التريف وتشجيع صناعة الدراما والحيادية في الرأي أمر ضروري يجب التقيد به وعلى الصحفي المتخصص عبء أكبر من كونه ناقل خبر بل عليه أن يتعمق ويعرف الكثير عن المهنة وصناعها وروادها.
الزمن سيعيد ترتيب العلاقات بيننا وبين كل شيء
عمر رمضـان / شاعر
بداية أجد أن الطرفين يحتاجان لبعض فهما كاليدين في الجسد الواحد كلاهما يؤدي وظيفته بمعونة الآخر ،لكن الصحافة تخصصت بالمتابعة وتسليط الضوء والاستقصاء فهي صوت من لاصوت له ،الصحافة تتكلم معنا وتتكلم عنا وتتكلم بنا لذا فالفنان محتاج أكثر إلى صحافة تقدمه وتتعقب أخباره وتنقل شكواه ومواجعه وترصد أخطاءه وهفواته ليمضي في الدرب الصحيح ..
أما عن علاقتي الشخصية بالصحافة فهي علاقة وطيدة بعالم أحبه ولي فيه أصدقاء وأحباب كثر، أجد راحة ومتعة في متابعتها ومتابعتهم رغم تقصيرها أحيانا وتقصير المجتمع بكل مؤسساته وفئاته في حق الصحافة ،بالرغم من ذلك هناك فجوة بيننا جميعا حتى داخل البيت الواحد فقد احتلتنا الوسائل العصرية للتواصل فشغلتنا بها عنا حتى تفسخت علاقاتنا ..
تطور الزمن في نماذجه وأطواره الجديدة أحدث خلخلة في أذواقنا وعلاقاتنا ونظرتنا لها لكننا لن نفعل شيئا حيال هذا فالزمن وحده هو من سيعيد ترتيب العلاقات بيننا وبين كل شيء تعودناه هلى نحو لا نعرفه الآن أو ربما نعرفه ولا نتقبله وسنقبله ربما بشيء من التعديل .
الصحفــي فنان في عمله
اسكندر السوكني / فنان تشكيلي
بين الاعلام والثقافة علاقة توافقية تكاملية كلاهما يبحث عن الآخر وهذا التوافق طبيعي وليس فيه أي شبهة أو سلبي، الفنان ينتج أعماله والصحفي يتابع ويدون ما يدور في الوسطين الفني والثقافي، فالاحتياج هما ينطبق على الطرفين فالصحافة هي من تتابع وتقدم الفنان للجمهور وخاصة عندما يكون للصحفي جمهوره من متابعين وقراء لكل ما ينشره إذ يكون بمثابة مقدمه أو ضامنة أو قريب من نشاط الناقد الفني للفنان ،عندها يصبح الفنان مادة اعلامية للصحفي وهو يحتاجه كمتابع مهم وناقد ومن خلاله يتواصل مع الجمهور …
بالنسبة لعلاقتي بالصحافة أعتبرها جيدة جدا أو ممتازة وذلك لاهتمامهم المستمر بإنتاجي الفني المتواضع والحقيقة أنهم فنانون في عملهم فهم عين المتلقي الأولى وصدقه في التعاطي مع المادة الفنية وأحمد الله أنني حظيت بمتابعة جيدة من مختلف وسائل الاعلام والتواصل المحلية والعربية والعالمية من خلال صحف وقنوات ووكالات أنباء ومواقع تواصل ..
فعليا لم أجد أي تقصير من الصحافة والصحفيين فهم متواجدون باستمرار في جميع المحافل والمناشط الفنية والثقافية ووجودهم من أبرز علامات نجاح أي محفل يقام وهنا أؤكد أن لا وجود لفجوة حاصلة بين الفنان والصحفي لأن حضور الصحفي واهتمامه مكثف ورأيي هذا ناتج من خلال حضوري ومتابعتي لأغلب المحافل الفنية والثقافية أي أنه رأي “شاهد عيان من قلب الحدث” وحتى المحافل التي لا أتمكن من حضورها أتابعها من خلال ما ينشرونه في مختلف وسائل الاعلام والتواصل ..
بالنهاية نحن نعمل معا الاعلام والثقافة، الصحفي والفنان كلاهما يعملان على تقديم منتج ثقافي توعوي رفيع للنهوض بالمستوى الثقافي والاعلامي خدمة للقارئ والمجتمع .
الصحافة الإلكترونية أغنت الفنان عن الصحافة الورقية
عبدالحميد التايب / ممثل
بصراحة أقول أهم ما يحتاجه الفنان وجود صحافة فنية متخصصة وحركة نقدية تواكب الحركة الفنية ..
في زمن مضى كان للصحافة الورقية دور كبير في انتشار الفنان والتعريف به والحركة الفنية، كان فيها الفنان والقارىء ينتظران مواكبة ما ينشر في الصحافة من قبل صحفيين وكتاب متخصصين في مقالات تنشر عبر الصفحات الفنية للمطبوعة التي تحمل إما نقدا فنيا موضوعيا أو خبرا أو حوارا أو تحقيق صحفيا وغيرها من فنون الكتابة الصحفية، وهنا تكون سعادة الفنان كبيرة عند إجراء مقابلة صحفية فهي فرصة جيدة لإنتشاره في ربوع البلاد وتعريف القاريء به وبأعماله المختلفة …
أما اليوم الأمور تغيرت بشكل كبير بعد انتشار السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبحت علاقة الفنان مباشرة بجمهوره ومتابعيه المتفاعلين معه ومع أخباره وأعماله وكل ماينشر بشكل أسرع ،إذن صحافة نقل الخبر ومتابعته لم تعد تعني شيئا للفنان ولا الجمهور فالسرعة المطلوبة لنشر الخبر وتناقله باتت متوفرة عبر وسائل التواصل الالكترونية المختلفة عبر صفحات الفنانين الشخصية أو صفحات عامة ومواقع تهتم بالشأن الفني وما يدور فيه من أحداث وكواليس .
لا تجعلــوا من الدخلاء على الفن نجوما ..
عـادل الجيلاني / منتج
برأيي أن الفنان والصحافة يكملان بعضهما والعلاقة بينهما ليست احتياج بقدر ما هي تكامل وتناغم وخاصة في الصحافة الفنية وإن كان هناك بعض التقصير من الصحافة فهو راجع للوضع العام للبلاد فمع اجتهادات عدد من الصحفيين في مجالهم إلا أن جهودهم تظل فردية ولا يمكنهم تقديم أكثر ..
لا أجد أي فجوة بين الصحفي والفنان ولا أؤيد هذا القول وإن وجدت فهي بالتأكيد لسبب أو لخطأ ما، ومن هذا المنبر أنصح الأخوة الصحفيين وخاصة من يمتهنون الصحافة الفنية بأن يكونوا على دراية كافية بالفن والوسط الفني وكل مستجداته وألا يجعلوا من الدخلاء على الفن نجوم وهذا أكثر مايزعزع الثقة بين الفنان والصحافة.
المعاناة حقيقية للصحفي والاعلامي
مروان الخطري / إعلامي
أولا لأكون واضحا وصريحا هذا الموضوع مهم ونعاني منه بشكل فعلي وحقيقي وعندما أقول صحافة فإني أعتبر نفسي صحفيا فالصحافة بشقيها المكتوب أو المرئي والمسموع هي واحد ،نحن فعليا نعاني من العلاقة بالفنانين فالمشاهير بشكل عام لديهم قناعة مشتركة وهي أن مكسبهم المادي أهم من علاقتهم بالصحافة وبالتالي هم ليسوا في حاجة لنا كصحفيين ونظرتهم للصحفي أن همه الوحيد هو ملء صفحات الصحف والبرامج وهذا برأيهم لن يضيف لهم الكثير لذلك نقع دائما في إشكالية العلاقة بالفنان ومحاولة الوصول بها لمنطقة ترضي الطرفين وتقنع الفنانين بعكس المفاهيم الراسخة في أذهانهم عن الصحافة والصحفيين .