مــــــــورينيـــو ..
على خطـــــــــــى هيراكليــــــــــــوس .. يصـــــــنع المستــــــحيل
مؤكداً أنه استثنائي
نال فريق روما الإيطالي مراداً طال انتظاره، وحقق حلماً راود الذئاب لأكثر من نصف قرن، وكان قريباً في لحظات مضت ثم تبخر، لكن من صنع التاريخ على ملعب (كامبيتاري) أرينا بالعاصمة الألبانية تيرانا مساء الأربعاء الماضي لم يكن لاعبو الفريق، بل مدربهم الذي انفجر باكياً على خط الملعب الجانبي لحظة إطلاق صافرة النهاية.
ولئن كان تتويج (الجيالوروسي) بلقب أول نسخة لدوري المؤتمر الأوروبي تاريخياً، فإن نجاح البرتغالي جوزيه مورينيو مدرب الفريق في حصد تتويج قاري جديد يؤكد أنه ساحر يعرف كيف يجلب البطولات، ويفند أي رأي يبعده عن قائمة أساطير المدربين.
روما تعود إلى أوروبا
كان هدف نيكولو زانيولوو في الدقيقة 32 من نهائي دوري المؤتمر كفيلاً بإهداء روما أول ألقابه الأوروبية، مفتتحاً بذلك عصراً جديداً في تاريخ النادي الذي يقترب من الذكرى المئوية لتأسيسه، حيث لم يسبق للذئاب الوصول إلى نهائي بطولة قارية إلا في مناسبتين (الكأس الأوروبية التي أضحت دوري الأبطال الآن وكأس الاتحاد الأوروبي) عامي 1984 و1991، وفي المرتين لم يحالفه النجاح.
لكن الأمر تغير هذه المرة وعرف روما كيف يضمن اللقب، ولن يفت في عضده تلك الدعاوى الساخرة من ضعف مستوى المشاركين بدوري المؤتمر الذي استحدث قبل عام من قبل (اليويفا)، لأن فريق العاصمة الإيطالية سيظل أبد الدهر أول بطل لهذه المسابقة.
دموع الفرح
وكالعادة، اتجهت الكاميرات نحو جوزيه مورينيو مدرب الفريق المتوج، لترصد احتفالات البرتغالي، الذي طالما أثار الجدل والإعجاب وشد الانتباه بتصرفاته داخل الملعب وخارجه.
وهذه المرة، طغت فرحة دراماتيكية على (السبيشل ون) وما بين قفزات وعناق للاعبين ثم دموع ذرفت مدراراً، أكد مورينيو صدق كلماته التي سبقت المباراة، والتي قال فيها أن هذه البطولة تعني له الكثير، وقد تفوق لقب دوري الأبطال، الذي رفعه 3 مرات سابقاً.
في قلب التاريخ
عاد مورينيو إلى مدينة روما مكللاً بالغار، ومعيداً مشهداً دأب على فعله أبطال روما منذ عهد يوليوس قيصر والأباطرة الذين تلوه، بدءاً من أولهم أغسطس وإلى ماركوس أوريليوس، الذي رسم عهده نهاية لعظمة مدينة التلال السبعة.
رجع (السبيشل ون) مؤكداً بقاءه مع (الجيالوروسي) بعد أن أضحى ثاني مدرب يكتب في سجله 5 بطولات أوروبية، بعد الإيطالي المخضرم جيوفاني تراباتوني.
كما حقق ت المدرب البرتغالي كل الألقاب القارية التي أدركها (دوري الأبطال والدوري الأوروبي ودوري المؤتمر) ومع 4 فرق مختلفة، ليؤكد أنه ساحر لا يأبه بتغيير الظروف ويعرف من أين «يجلب اللقب».
على خطى هيراكليوس
يعشق مورينيو التحدي ويختار الصعاب ليواجهها ويتغلب عليها، فيشبه في ذلك البطل الأسطوري في الميثولوجيا الإغريقية هيراكليوس، فهو مثل هذا الأخير خاض مهاماً مستحيلة وحققها، مع الاختلاف في العدد، حيث استطاع (السبيشل ون) التفوق في 6، وما يزال أمامه المستقبل ليطابق –كمّاً – ما فعله البطل الإغريقي.
المهمة الأولى : هجوم التنانين
أن لا تكون لاعباً سابقاً ثم تنجح في التدريب فهذا أمر معقول رغم صعوبته، لكن أن تستخدم خبرتك كمترجم ملحق بالأجهزة التدريبية لتصنع فكراً يخصك وتقود فريقاً – كبورتو البرتغالي – لم يعد في عصر الأموال قادراً على منافسة الصف الأول في أوروبا – إلى نيل لقب دوري الأبطال، فهذه هي المعجزة الحقيقية.
وهذا ما فعله مورينيو مع التنانين موسم 2003-2004، إثر توطئة للنجاح سبقت ذلك بعام وأدت لرفع الفريق البرتغالي كأس الاتحاد الأوروبي.
المهمة الثانية : مقارعة (التيتان)
انتقل (سبيشل ون) إلى عاصمة الضباب وتدثر من بردها برداء تشيلسي الأزرق، وهناك أكد أن إنجازه مع بورتو لم يكن وليد الصدفة، فقارع عمالقة (تيتان البريمرليغ)، تاركاً جاره أرسنال خلفه، ومنقضاً على عرش مانشستر يونايتد أيام عصره الذهبي، واستطاع أن يهدي (البلوز) لقبين متتالين في الدوري الممتاز، ثم عاد بعد عقد وكرر ذات الفعل.
المهمة الثالثة : النجاح الأسطوري
في ميلانو كان النجاح الأبرز، فيومها ظن موراتي رئيس إنتر أن الحل في إعادة (النيراتزوري) إلى النجاح مرتبط بمجيء ساحر، ولم يكن هناك ساحر أكثر قدرة من مورينيو، فحدث الاتصال والتعاقد.
وفي فريقه الجديد، كرس الرجل نفسه كقرين للبطولات، فنال إنتر لقب الدوري لموسمين متتالين، وفي المرة الثانية (موسم 2009-2010) لم يكتف بـ(السكوديتو) بل أرفقه بتتويج “استثنائي” بدوري الأبطال وكأس إيطاليا وكأس العالم للأندية، محققاً رباعية لم يستطع إنتر تكرارها من جديد.
المهمة الرابعة : التألق في الجحيم
قاده حب المغامرة إلى إسبانيا، ليشرف على تدريب كبيرها ريال مدريد، الذي كان يمر بأوقات صعبة حينها، ويعيش في ظل الغريم المتألق بقوة برشلونة.
علم مورينيو حينها أن لعبة الملعب لن تكون ناجحة، فالمنافس يمتلك عتاداً «غير تقليدي» وأدواته لن تتواجد في فريق آخر «إلا في الأحلام»، فجرّ أرمادا كتالونيا إلى حرب الصحافة التي يبرع فيها، وافتك لقباً للدوري الإسباني وآخرين في السوبر والكأس.
ورغم ضآلة الألقاب مع (الميرينغي) إلا أن نجاح مورينيو حينها يشبه اختراق هيراكليوس لجحيم هادس.
المهمة الخامسة : صناعة المستحيل
انطلقت التجربة التالية من مدينة مانشستر الإنجليزية، بقيادة الشياطين الحمر، ومع تشكيلة مترنحة وسر لم يعرف كنهه أحد، حل بمانشستر يونايتد إثر رحيل مدربهم الأسطوري أليكس فيرغسون، أضحى كتعويذة منعت هذا الفريق من العودة للقمة، كان لوجود مورينيو قدرة على جلب 5 بطولات، أهمها الدوري الأوروبي.
ومؤخراً قال مورينيو أن تحصله على المركز الثاني مع (المانيو) موسم 2017-2018 أفضل إنجازاته، مرجعاً ذلك إلى صعوبة الوضع حينها.
المهمة السادسة : التفاحة الذهبية
تنقل (سبيشل ون) إلى لندن ودرّب توتنهام هوتسبير، وغادر بعد موسم ونيّف بدون إنجازات، لتفتح له روما ذراعيها ويدخلها كقائد راغب في الترقي، فيخرج في رحلة أوروبية غير مجربة مسبقاً اسمها (دوري المؤتمر الأوروبي) ويعود منها إلى عاصمة الأباطرة مكللاً بالمجد، ومانحاً (الجيالوروسي) أول لقب قاري، كما أنه أعاد إيطاليا إلى الواجهة الأوروبية – على مستوى الأندية- بعد غياب امتد لأكثر من عقد، وكان آخر ألقاب الفرق الإيطالية أوروبياً من نصيب إنتر ورفقة مورينيو أيضاً.
وبإنجازه هذا، قدّم المدرب المثير للجدل تفاحة ذهبية لروما، تماثل تلك التي تسمى في ميثولوجيا اليونان (تفاحات هسبريا) المشعة في الظلام.